تجاهلت شلالا بامتعاض هتافات الطلاب التي لم تتوقف. أكثر ما استفز البعض مشهد القائها الخطابات نفسها في الجامعات الاسرائيلية "بصرف النظر أكان المضمون أكاديمياً أم سياسياً أم أياً يكن"، يقول رزق الله. انتهت الكلمة، تركت المنبر وحيداً إلا من صدى الهتافات التي وصلته، وذهبت لتجلس في مقعدها المخصص للمُكرَّمين.
بدا واضحاً ان الجامعة لم تتعمد أمرين: "قمع" المحتجين وتخريب الحفل. يعزو رزق الله الأمر الى وجود وسائل الاعلام وكاميرات الطلاب، مما يعني ان ان الجامعة لم تكن لتضع نفسها في موضع من يسكت طلابها أمام الرأي العام "وهذا لا يليق بتاريخها العريق في صون الحريات والحضّ عليها".
كيف وُلد الحراك؟ يختصر رزق الله الجواب بكلمة واحدة: عفوياً. ينفي ان يكون مخططاً له سابقاً، بل جرت الأمور بالصدفة، رافضاً تصنيف أصحاب الفكرة والتنفيذ "هم طلاب لبنانيون من انتماءات مختلفة يجمعهم الرفض الكلي للكيان الاسرائيلي والداعمين له". والنتيجة؟ يقوّمها بالايجابية، معتبراً ان الموقف الذي زجّت الجامعة نفسها فيه أمام شلالا وضيوفها والطلاب والأهل ووسائل الاعلام "يجعلها تعيد خلط أوراقها في المرة المقبلة قبل ان تٌقدم على خطوة من هذا النوع. وفي حال قررت تكريم أحد المتعاملين مع اسرائيل السنة المقبلة، فلتعلم ان الطلاب أنفسهم، وغيرهم أيضاً، لن يسمحوا للأمر ان تتكرر مرتين".
لذلك نجح التحرّك برأي القائمين به "أقله بالحفاوة الباردة التي قوبلت بها شلالا كي لا تظن ان الجامعة الأميركية تدعمها وتؤيدها". وعن رد فعل الادارة بعد انتهاء الحفل، أكد رزق الله ان أحداً لم يوجه لوماً او سؤالاً الى الطلاب "وصلت الرسالة الى الآذان المعنية، والهدف قراءتها وفهم مضمونها، لا معاقبة القلم الذي لم يقم إلا بواجبه".
لم نرضَ ان تتجاوز الجامعة قانون دولتنا
في ما يأتي بيان أرسله "طلاب ضد التطبيع – الجامعة الأميركية في بيروت" الى "نهار الشباب":
"فوجئنا عندما علمنا بأن إدارة الجامعة الأميركية في بيروت ستكرم دونا شلالا، لأنها كانت قد وعدتنا بعد الحملة الكبيرة ضد تكريم الرئيس السابق للبنك الدولي جيمس ولفنسن العام الماضي، بأنها ستحترم قانون المقاطعة اللبناني، وان آلية اختيار المرشحين ستكون أكثر شفافية وسيعلن عنهم قبل اسبوعين على الأقل من موعد التكريم.
لكن الجامعة لم تف بأي من هذه الوعود. وكأنّ ذلك لا يكفي، زادت الإدارة الإساءة بمنح شلالا دور المتحدث الرئيسي خلال حفل التخرج هذه السنة. لا يمكن اعتبار هذه الخطوة عفوية في أي شكل من الأشكال. لقد أتت رسالة إدارة الجامعة الأميركية في بيروت واضحة لا لبس فيها، فهي تحاول ان تتجاوز القانون اللبناني وأساتذة الجامعة وطلابها. تكرم من تريد وكيفما تريد، عبر اللجوء إلى وسائل غير ديموقراطية ولا أخلاقية، وخصوصاً ان لا مانع لديها من ان يكون المكرّم داعماً معروفاً للصهيونية، وفوق كلّ ذلك تتخطى قانون الدولة الواضح بمنع التعامل مع كل من يدعم الصهيونية. ان كلّ هذا يأتي أيضاً في كونه محاولة جدية نحو التطبيع، وجعل التعامل مع العدو الصهيوني أمراً مرغوبا فيه ومُكافأ عليه.
بإزاء كلّ ما سبق، وجدنا كطلاب شجاعة في وحدتنا في ظلّ غياب الدولة اللبنانية وتخاذل عدد من أساتذة الجامعة حيال كلّ ما يجري. لقد كان واضحاً ان الأساتذة لن يقوموا برد فعل، ولاسيما بعد الرسالة المفتوحة التي كتبت وشارك فيها عدد منهم، وكان الباقون على علم بها. قررنا حينها كمجموعة طلاب معارضين للتطبيع ان نتحرك استنكاراًَ لهذا التكريم الذي يمثّل إهانة كبيرة لكرامة طلاب الجامعة وصوتهم وآرائهم.
قررنا ان ننقسم مجموعتين، بعضنا انتشر على مداخل الاحتفال خارج أسوار الجامعة حيث قمنا بتوزيع بيانات تضيء على تاريخ شلالا لكي يعلم الأهالي من سيكرّم أمامهم، بينما تواجد البعض الآخر ضمن الإحتفال. من الجدير ذكره هنا، أن إحدى الأمهات قالت لنا إن زوجها واولادها رفضوا حضور حفلة تخرج ابنهم من كلية الطب بسبب تكريم شلالا. إنّ الإنجاز الأهم الذي دعمنا وشجعنا هو انضمام عدد كبير من الأهالي وخصوصاً في الخطاب الثاني الذي ألقته شلالا رغم مغادرة معظمنا بعد الانتهاء من خطابها الأول، الذي رفعنا اثناءه أصواتنا محتجين على ان يكون هذا التكريم باسمنا كطلاب. لقد كان لهذا التضامن المفاجئ والضخم تأثير كبير على نفوسنا. لذلك نشكر كل من أعطانا الشجاعة للمواجهة وآمالا للمستقبل. أما بالنسبة الى الجامعة، فنتمنى عليها أن تحترم وتعي جيداً خصوصيات المجتمع الموجودة فيه قبل اتخاذ قرار مشابه. الواقع هو انه في ذلك النهار (الجمعة 22 حزيران)، نحن - من طلاب وأهالٍ وأفراد أحرار - لم نرضَ ان تتخطى الجامعة الأميركية في بيروت قانون دولتنا وان تتعامل مع غاصبي أرضنا وقاتلي شعبنا.
إدارة الجامعة: لا ننادي بالتطبيع
ذكرت إدارة الجامعة لدى سؤالها عن موقفها مما جرى في الاحتفال التكريمي، بالبيان التي كانت قد أصدرته، والآتي نصه:
"هذا الأسبوع وخلال احتفال التخرج، شاهدنا ممارسة حرية الرأي والتعبير الأكاديمي والحوار الصحي والجدّي. وقد رحّبنا بهذه الممارسة، وهذه الحرية هي من صميم قيم الجامعة.
1 – عبر تاريخها، امتثلت الجامعة الأميركية في بيروت دائماً للقوانين اللبنانية، وخصوصاً قانون مقاطعة اسرائيل، الصادر في 23 حزيران 1955.
2- إن ترشيح أفراد لنيل الشهادات الفخرية من الجامعة هو من عمل لجنة تضم أعضاء في مجلس الأمناء، والادارة، وأساتذة، وطلاباً. وفي الأعوام الثلاثة الماضية، ومن الأفراد الـ 12 الذين اختيروا لنيل الدكتوراه الفخرية، 8 هم ممن رشّحهم أعضاء في الهيئة التعليمية.
-3 لا نوصي أبداً بمنح الشهادة الفخرية لأي كان بسبب علاقاته مع اسرائيل أو مواقفه الممكنة من التطبيع معها. إن اختيار الجامعة للمكرّمين لا يكون أبداً بناءً على دعمهم للتطبيع، والجامعة لا تنادي بهذا التطبيع.
وبالنسبة إلى الحائزة الدكتوراه الفخرية دونا شلالا، فإن الجامعة اختارت شخصية أميركية - عربية بارزة لديها صلات عائلية قوية بلبنان، للاحتفال بمنجزاتها المهنية العديدة في مجالات تتعلق بالتعليم والعناية الصحية والخدمة العامة.
إن لائحة الأشخاص الذين كرمتهم الجامعة في الماضي غنية عن التعليق. معظمهم، إن لم يكن كلهم، له ارتباطات بالمنطقة التي تفتخر الجامعة بخدمتها، وهم أدوا مساهمات راسخة في مجالات الأكاديميا والخدمة العامة أو الانسانية، والفنون والثقافة والأعمال والإحسان والإعلام. إن الجامعة الأميركية في بيروت تفخرعن حق بعلاقاتها التاريخية بلبنان والمنطقة. إننا باقون على التزامنا رسالتنا، وهي توفير تعليم ممتاز ودعم البحوث وتقديم خدمات وعناية طبية متفوقة. وقد يكون أفضل إثبات لمنجزاتنا احتفال متخرجي البكالوريوس والدراسات العليا بتخرجهم، مع عائلاتهم، نهاية الأسبوع الماضي. إنهم يفهمون قيمة التعليم الذي تقدّمه الجامعة الأميركية في بيروت، ومساهماتهم في المنطقة والعالم ستكون الميراث الدائم لها".